مع الثورة التقنية التي نشهدها في هذه الفترة، وفي ظل سياسات التحول الرقمي التي تنتهجها أغلب الدول الآن، أصبحت منصات التسوق عبر الإنترنت ضمن السمات المميزة لحركة التطور الاجتماعي والاقتصادي في مختلف دول العالم. وتحظى هذه المنصات بشعبية كبيرة بين المستهلكين، إذ تقدم تجربةً مريحةً في التسوق بين مختلف أنواع المنتجات دون الحاجة إلى مغادرة المنزل. وهنا يظهر أحد التحديات الكبيرة في هذا المجال، وهو كيفية ضمان جودة المنتج دون معاينته من قبل العميل ماديًا.

في البداية، كان هذا التحدي سببًا في عزوف العديد من المستهلكين عن هذه الخدمة، إذ ظل العديد من المشترين يفضلون الذهاب إلى الأسواق لمعاينة المنتجات قبل شرائها، بالإضافة إلى التعامل مع البائع على أرض الواقع للرجوع إليه عند وجود أي عيوب مستقبلية في المشتريات. وبالتالي، فكرت الشركات الكبرى التي تصدرت ريادة هذا المجال في وضع عدد من السياسات التي تجذب المُشترين إليها مرةً أخرى، وذلك من خلال سلسلة من الضمانات التي تقدمها في حالة وجود أي مشاكل بالمنتجات، وأبرزها سياسة المرتجعات.

طالع أيضًا:

سياسات المرتجعات ذات تأثير كبير على مبيعات الشركات

والآن، أصبحت سياسة المرتجعات جزءًا أساسيًا من تجربة التسوق عبر الإنترنت، إذ بدأ بعض المستهلكين في الاعتماد على الأسواق الإلكترونية بشكل كامل مع تطور هذه السياسات؛ فعلى سبيل المثال، تقدم أمازون اليوم خدمة استرجاع المنتجات لمدة 14 يومًا من تاريخ الشراء، حتى في حالة عدم وجود أي عيوب بالمنتج؛ وهي سياسة يراها العديد من أصحاب الأعمال التجارية ضارةً للغاية بحركة الأرباح.

نستعرض في هذه المقالة الآثار السلبية التي تُسببها هذه السياسة على الأرباح، كما نُناقش الوسائل التي رأى الخبراء فاعليتها في تقليل حجم الأضرار الناتجة عن المرتجعات، بل ومحاولة الاستفادة منها أيضًا!

أثر المرتجعات على الأرباح

بدأت سياسة المرتجعات تتخذ شكلها الحديث في السنوات الأخيرة، وذلك بعد النمو الكبير بمجال التسوق عبر الإنترنت، إذ ساهم تطور هذا النموذج التجاري في إرساء عدد من القواعد التي بدأتها الشركات الكبرى مثل أمازون وeBay، ولكنها أصبحت مفروضةً حتى على الشركات الناشئة التي تعمل في نفس المجال؛ حتى تتمكن من المنافسة في هذا السوق المحتدم بالطبع.

وبالتالي، سببت هذه السياسة ضررًا على الشركات الناشئة في هذا المجال، إذ تتمكن الشركات الكبرى من تعويض أي خسائر ناتجة عن المرتجعات، بينما تشكل هذه الخسائر تحديًا كبيرًا أمام الشركات الناشئة.

تجاوزت نسبة المرتجعات مجموع الإيرادات في 91% من المنصات التي تعمل في مجال التسوق عبر الإنترنت. وبالتالي، تُشكِّل المرتجعات مشكلةً كبيرة قد تتسبب في انهيار الشركات الناشئة، ولهذا يتحتم على جميع الشركات التي تعمل في هذا المجال أن تُنشئ مجموعةً من الاستراتيجيات الخاصة بإدارة سياسة المرتجعات. وتُشير إحدى الدراسات أن 30% من المنتجات المُباعة على منصات التسوق عبر الإنترنت تتعرض للإرجاع، مُقارنة بنسبة المرتجعات في الأسواق المادية التي تبلغ 9% فقط.

وتسبب هذه المرتجعات خسائر فادحة للشركات، إذ تصل في بعض الشركات الكبرى إلى مليارات الدولارات من الخسائر، وقد بلغت قيمة المرتجعات عالميًا في عام 2022 فقط نحو 1.8 تريليون دولار. ولا تُسبب المرتجعات خسائر ماليةً فقط، بل تتسبب أيضًا في إهدار وقت العمال والموظفين دون أي قيمة أو تعويض عن هذا الوقت الضائع؛ فعند إرجاع المنتج، يحتاج البائع إلى إحضاره من العميل، ثم فحصه مع احتمالية التواصل مع الشركة المُصنعة في حالة وجود أي تلفيات تحتاج إلى إصلاح، ثم إعادة تغليفه قبل إعادته مرةً أخرى للمخزون، ويتكبد البائع هذه الخسائر في الوقت والأموال دون أي تعويض من المستهلك.

استغلال سياسة المرتجعات في الاحتيال

يعتبر استغلال سياسة المرتجعات في عمليات الاحتيال ضمن أكبر المشاكل التي تواجه منصات التسوق عبر الإنترنت، خاصةً المنصات الكبرى مثل أمازون، والتي تتساهل كثيرًا في الشروط التي تضعها لتنظيم هذه السياسة. وبالفعل، تعرضت أمازون في الشهر الماضي لعملية احتيال ضخمة قادتها إحدى المجموعات الاحتيالية التي تُعرف باسم REKK، وقد تكبدت أمازون خسائر تُقدر بملايين الدولارات بسبب استغلال هذه المجموعة لسياسة الإرجاع الخاصة بالشركة.

تعرضت أمازون أيضًا إلى واحدة من أكبر عمليات الاحتيال المعتمدة على سياسة المرتجعات، والتي وقعت في أسبانيا عندما قام أحد عملاء أمازون بإرجاع مجموعةً من المنتجات بشكل وهمي؛ إذ أرجع صناديق المنتجات مملوءةً بالتراب لمحاكاة وزنها الحقيقي، وقد كبَّد هذا الشخص بمفرده شركة أمازون نحو 370 ألف يورو في عام واحد.

تضم هذه العمليات الاحتيالية أشكالًا عدة، وقد تبدو بعض أشكالها غير إجرامية؛ فعلى سبيل المثال، ينتهج بعض المستهلكين سياسةً في شراء المنتجات وتجربتها لمدة أسبوع مثلًا، ثم إرجاعها مرةً أخرى. في هذه الحالة، لا ينتفع المستهلك ماليًا من سياسة المرتجعات، ولكنه يستمتع بتجربة مئات السلع المختلفة؛ مُكبدًا التجار خسائر فادحة دون أي تعويضات لهم. وبالتالي، يرى البعض أن شراء أي منتج بنِيَّة إرجاعه بعد تجربته نوعًا من أنواع الاحتيال.

وهناك بعض أشكال الاحتيال الأخرى التي يُثار حولها الجدل إذا ما كانت ضمن عمليات الاحتيال فعلًا أم لا، وهو ما يسمى بالإرجاع الانتهازي، إذ يشتري المستهلك سلعةً من إحدى المنصات، ثم يجدها بسعر آخر أقل بفارق بسيط في منصة أخرى، أو حتى عند تاجر آخر على نفس المنصة؛ ليتخذ قرار الإرجاع لإعادة شراء نفس المنتج مرةً أخرى بالسعر الأقل. وهنا يوفر المستهلك كميةً ضئيلةً قد تُقدر ببضع جنيهات مثلًا، ولكنه يُكبد التاجر مئات الجنيهات لإرجاع المنتج وإعادة تهيئته مرةً أخرى للمخزون.

وتعتبر هذه الأشكال ضمن الأشكال غير المقصودة في الاحتيال؛ فهي ضمن القضايا الجدلية في هذا المجال. ولكن هناك من ينتهج سياسةً تهدف إلى سرقة التجار بشكل مباشر مستغلًا سياسة المرتجعات، مثل إزالة بعض المكونات الثمينة من الأجهزة الإلكترونية قبل إرجاعها، أو حتى الاعتماد على الرشاوي لتمرير إعادة الأموال دون إرجاع المنتجات فعليًا، كما حدث في قضية أمازون وREKK. وقد يلجأ البعض أيضًا إلى اختراق المنصات غير المؤمنة جيدًا لتمرير بعض عمليات الإرجاع الوهمية، وهي مشكلة عانت منها العديد من المنصات الناشئة في هذا المجال.

تقليل خسائر المرتجعات

أمام هذه الخسائر الكبيرة التي تتعرض لها الشركات بسبب المرتجعات، كان لابد من وضع مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة التي تحد من تصاعد هذه الخسائر، إذ يظل إلغاء هذه السياسة بالكامل أمرًا غير مطروح؛ فهو قد يهدد بانهيار هذا النموذج التجاري الناجح بالكامل. وتعتمد هذه الاستراتيجيات بشكل رئيسي على إمداد العملاء بكافة المعلومات المختلفة حول المنتجات، إذ بدأ بعض التجار على أمازون في وضع مقاطع فيديو توضيحية للمنتجات، وذلك لمساعدة العملاء في تحديد إذا ما كان المنتج مناسبًا لاحتياجاتهم أم لا قبل الشراء.

تلجأ بعض المنصات الكبرى مثل أمازون إلى إعادة الأموال إلى العملاء دون استلام المرتجع، وذلك في المنتجات ذات القيمة المنخفضة، إذ ترى الشركة أن تكلفة استعادة المنتج من العميل وإعادة تهيئته للبيع مجددًا ستكون أعلى بكثير من الأرباح الناتجة عن بيعه مرةً أخرى. ومع ذلك، لن تُجدي هذه الاستراتيجية نفعًا مع أغلب المنصات، خاصةً مع الشركات الناشئة محدودة المخزون.

استخدام الذكاء الاصطناعي

ناقش الخبراء أيضًا أسلوبًا جديدًا في مكافحة الخسائر الناتجة من استغلال هذه الخدمة، إذ يرى البعض أن التجار ينبغي أن يستعينوا بتقنيات الذكاء الاصطناعي لمحاولة فرز العملاء حسب كمية المرتجعات الموجودة ضمن مشترياتهم، وذلك لمحاولة التعرف على أي أنماط غير طبيعية تُشير إلى استغلال هذه الخدمة؛ ليتمكن التاجر في النهاية من وضع رسومًا إضافيةً على هذه الفئة من العملاء، وقد تُضاف الرسوم على الشحن أو على سعر المنتج نفسه بشكل لا يدركه العميل أصلًا.

تحتاج هذه الاستراتيجية إلى تقنيات متطورة لتنفيذها بشكل واسع. ومن الناحية القانونية، سيتحتم على المنصات إعلام العملاء بهذه السياسة بشكل واضح وصريح.

بطاقات الهدايا

أشارت بعض الدراسات أن العملاء الذين يستخدمون خدمة المرتجعات ينظرون إلى أموالهم المُستردة نظرةً مختلفةً، إذ يرى أغلب العملاء أن هذه الأموال مُهدرة بالفعل، ويحاولون إنفاقها في أسرع وقت على شراء منتجات بديلة. ومن هنا تأتي فكرة بطاقات الهدايا، والتي تعتمد على تعويض العميل ببطاقة شرائية بنفس قيمة المرتجعات، بدلًا من إرجاع الأموال إلى حسابه بشكل مباشر، وهو ما يدفع العميل في النهاية إلى الشراء مرةً أخرى من نفس المنصة.

وقد بدأت بعض المنصات بالفعل في اللجوء إلى هذا الحل للتخفيف من أعباء المرتجعات؛ فعلى سبيل المثال، تلجأ أمازون إلى التعويض ببطاقات الهدايا عند إرجاع المنتجات التي اشتراها العميل بنظام الدفع النقدي عند الاستلام، إذ تقتصر خدمة تحويل الأموال إلى حساب العميل في حالة الدفع عن طريق بطاقات الدفع المختلفة فقط.

وقد تساهم هذه الاستراتيجية أيضًا في الاستفادة من المرتجعات، إذ تُحفز العملاء على شراء بعض المنتجات الأخرى لاحقًا، والتي قد تكون بقيمة أعلى بكثير من قيمة مرتجعاتهم. وبالتالي، قد تساعد هذه الاستراتيجية على استمرار تدفق المشتريات بالمنصة، ما يُخفف في النهاية من الخسائر الضخمة التي تتكبدها الشركة من سياسة المرتجعات.

نصائح لضمان استرداد الأموال مع المرتجعات

بدأت منصات التسوق الإلكتروني في الانتشار بشكل واسع في مجتمعاتنا. وبالتالي، يجب تحري الدقة عند اختيار المنصة التي تتعامل معها، وننصح دايمًا بفحص المراجعات وتقييم العملاء مع استبعاد المنصات ذات التقييم المنخفض.

إليكم بعض التعليمات التي ننصح باتباعها لضمان استراد الأموال عند طلب الإرجاع:

  • تصوير الطلبات: يُنصح دائمًا بتصوير الطلبات قبل وأثناء فتحها، ونشدد على أهمية هذا الإجراء في الطلبات ذات القيمة العالية على وجه الخصوص، إذ تُمثل هذه المقاطع دليلًا قويًا في حالة وجود أي عيوب ظاهرية على المنتجات، أو حتى في حالة تلف المنتج خلال عمليات الشحن والتسليم.
  • قراءة الشروط والسياسات: يتجاهل أغلب المستخدمين قراءة الشروط العامة التي تضعها المنصات التجارية، وخاصةً الشروط المتعلقة بسياسة الاسترجاع. وبالتالي، ننصح بأهمية الاطلاع على هذه الشروط قبل الشراء من أي منصة، إذ تعطي هذه الشروط انطباعًا مبدئيًا حول آلية عمل سياسة المرتجعات بالمنصة، حتى تتمكن في النهاية من اتخاذ قرارك بالشراء منها أم لا.
  • الاحتفاظ بعلب المنتجات: تشترط بعض المنصات سلامة العلب الخاصة بالمنتجات لتمرير عملية الاسترجاع، وذلك لتخفيف الأعباء على التجار عند إعادة تهيئة المنتجات للبيع مرةً أخرى. ولهذا، ننصح كقاعدة عامة بالاحتفاظ بسلامة علب المنتجات لضمان نجاح عملية الاسترجاع عند الحاجة.
  • الاحتفاظ بالفواتير والإيصالات: تعتبر الفواتير والإيصالات سندًا مُعترفًا به قانونيًا لضمان حقك عند أي نزاع مع التاجر، لهذا ننصح بالاحتفاظ بهذه الأوراق بشكل عام في جميع العمليات التجارية. وعلاوةً على ذلك، تشترط بعض المنصات وجود الإيصالات والفواتير مع المرتجعات لتمرير العملية بنجاح.
  • ونؤكد أخيرًا على ضرورة عدم استغلال هذه السياسة بشكل سيئ؛ فهي تكبد التجار خسائر فادحة، إذ يوصى باللجوء إلى هذه السياسة عند الضرورة فقط.

    في النهاية، يمكن اعتبار سياسة المرتجعات شر لابد منه بالنسبة للتجار؛ فهو العامل الأقوى الذي أدى ازدهار هذا النموذج التجاري.