تحالفت شركة Meta مع شركة IBM، وذلك لإنشاء مجتمع دولي بمشاركة 50 مؤسسة لدعم مبدأ الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. وذلك في نهاية هذا العام الذي كان حافلًا بالتطورات التقنية في مجالات الذكاء الاصطناعي، إذ شهد العديد من الأدوات والأنظمة الجديدة التي تُنبئ بإمكانات قد تغير من مستقبل التاريخ البشري.

انطلقت هذه الموجة التقنية مع بداية هذا العام بعد إطلاق ChatGPT من شركة OpenAI، والذي أثار ضجةً كبيرةً بسبب إمكاناته التي بدت وكأنها قادمة من المستقبل. ومنذ ذلك الحين، اشتعلت المنافسة في ساحة الذكاء الاصطناعي، وبدأت الشركات التقنية الكبرى تطلق أنظمتها الخاصة للذكاء الاصطناعي. وما زال التنافس مشتعلًا حتى هذه اللحظة، إذ أطلقت جوجل منذ عدة أيام نظام جيمناي الخارق الذي تفوق على كافة منافسيه حتى هذه اللحظة.

تحالف الذكاء الاصطناعي

رغم التفوق المذهل الذي حققته هذه الموجة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي هذا العام؛ تفرض أغلب الشركات المطورة لهذه الأنظمة، مثل OpenAI، نظامًا صارمًا ومغلقًا أمام المطورين الراغبين في المشاركة في عملية تطوير هذه الأنظمة الجديدة. وترى شركة IBM ضرورة فتح عمليات التطوير في كافة المجالات، بما يشمل الذكاء الاصطناعي، وذلك لتمكين كافة المطورين الشغوفين بهذا العالم بالمعلومات والمهارات التي تساعدهم على الابتكار. ويُذكر أن IBM كانت من أوائل الداعمين لنظام التشغيل مفتوح المصدر المقدم من لينكس خلال فترة التسعينيات؛ وبالتالي، كانت IBM تدعم هذه السياسة من البداية.

ومع وجود عدد كبير من الشركات والمؤسسات، الحكومية وغير الحكومية، التي تشارك IBM نفس المسعى في ضرورة فتح عمليات التطوير بشكل شفاف أمام المطورين، قررت الشركة بالتعاون مع شركة Meta، إنشاء تحالف الذكاء الاصطناعي (AI Alliance). سيضم هذا التحالف نحو 50 مؤسسةً، وهي عبارة عن مجموعة من المنظمات الرائدة في هذا المجال، بالإضافة إلى الشركات الناشئة، والمؤسسات الأكاديمية، والبحثية، والحكومية، التي تتعاون لدعم الابتكار المفتوح في مجال الذكاء الاصطناعي.

مارك زوكربيرج أثناء الإعلان عن نموذج الذكاء الاصطناعي مُتعدد الوسائط الجديد

يعتبر الغرض الرئيسي لهذا التحالف هو تعميم مبدأ الذكاء اصطناعي مفتوح المصدر، وسيؤدي هذا التعاون الدولي إلى خلق الفرص في مجال الذكاء الاصطناعي في كافة الدول المشاركة، إذ يركز هذا التحالف على إنشاء مجتمع متنوع من مطوري الذكاء الاصطناعي الذين يشاركون خبراتهم ومعلوماتهم بشكل مفتوح؛ وذلك بهدف تسريع الابتكار والوصول إلى نتائج غير مسبوقة في هذا المجال.

أهداف التحالف

يرتكز هذا التحالف حول غرض رئيسي، وهو إنشاء مجتمع دولي داعم لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر. وقرر التحالف أن تكون البداية إرساء مجموعة من القواعد، بالإضافة إلى تطوير عدد من اختبارات الأداء القياسية، والتي ستكون بهدف ضبط عملية تطوير واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي على مستوى دولي. وبالتالي، قرر التحالف البدء بمخاطبة قضية الأمن والسلامة التي تتخذها العديد من الشركات المطورة لأنظمة الذكاء الاصطناعي مبررًا لغلق أنظمتها أمام المطورين.

وضع التحالف أيضًا إطارًا عامًا للخصائص التي سيهتم التحالف بمراعاة تحقيقها في أنظمة الذكاء الاصطناعي القادمة؛ وطبقًا لتصريحات IBM، ينبغي أن تكون هذه الأنظمة متعددة الوسائط، ومتعددة اللغات، وستشمل أيضًا نماذج علميةً متخصصةً؛ لتكون قادرةً في النهاية على المساعدة في حل كافة المشاكل التي تواجه البشرية في المستقبل، مثل مشكلة المناخ على سبيل المثال.

ومن خلال المؤسسات الأكاديمية المشاركة، يهدف التحالف إلى المساهمة في البحث العلمي في مجالات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تشجيع الطلاب والباحثين على المساهمة في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يعمل عليها التحالف، وذلك كمشاريع خاصة بمساراتهم الأكاديمية.

سيهتم التحالف أيضًا بإطلاق المبادرات التوعوية التي تشجع المطورين والباحثين على المساهمة في التطوير المفتوح للذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على الالتزام بكافة معايير الأمن والسلامة؛ وذلك لإزالة المخاوف المنتشرة في الأوساط التقنية حول خطورة التطوير المفتوح لهذه الأنظمة. ونرى أن هذه الخطوة ستكون الأهم في سلسلة أهداف التحالف؛ وذلك لتصحيح المغالطات المنتشرة، الناتجة عن الذعر المبالغ فيه من سوء استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، والتي تسببت في تأخر عجلة التطوير في هذا المجال.

أبرز المشاركين في التحالف

تأسس هذا التحالف كشراكة بين ميتا وIBM، ويضم نخبةً من عمالقة الذكاء الاصطناعي، إذ ساهمت العديد من الشركات المنضمة بهذا التحالف في تطوير اختبارات الأداء والأدوات القياسية الخاصة بالذكاء الاصطناعي. يشارك في هذا التحالف أيضًا مجموعةً كبيرةً من الجامعات المهتمة بالبحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي، كما تشارك أيضًا الجامعة الإماراتية، جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، في هذا التحالف.

على الرغم من وجود مؤسسات وشركات ناشئة في هذا التحالف، مثل جامعة محمد بن زايد، إلا أن التحالف يضم أيضًا مجموعةً من العمالقة مثل شركة AMD، وIntel، ومؤسسة Linux، ومجموعة Sony، وشركة Dell، وOracle، بالإضافة أيضًا إلى وكالة NASA والمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN. وبالتالي، سيعمل هذا التحالف على مساعدة المؤسسات الناشئة بشكل كبير، إذ سيخلق مساحةً لتبادل الخبرات والمعلومات من الشركات الكبرى، والأفكار الإبداعية من المؤسسات الناشئة.

وعلى الرغم من عدم مشاركتها في التحالف، شاركت Apple بشكل غير مباشر في دعم فكرة التحالف، وذلك من خلال إطلاق إطار عمل خاص بها في مجال تعلم الآلة، والذي أطلقته الشركة بشكل مفتوح المصدر على منصة Github.

أثر التحالف على مجال الذكاء الاصطناعي

حتى هذه اللحظة، ترفض أغلب الشركات المطورة لأنظمة الذكاء الاصطناعي إطلاق نماذجها بشكل مفتوح المصدر؛ فحتى جوجل رفضت فتح جيمناي بالكامل أمام المطورين. ويعتبر نظام Grok الذي أطلقه إيلون ماسك منذ عدة أيام هو النظام الوحيد مفتوح المصدر ضمن الأنظمة الشهيرة الموجودة حاليًا على الساحة. وتبرر جميع الشركات التي ترفض فتح أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها أنها تتخذ هذه الإجراءات لأغراض أمنية، إذ ترى هذه الشركات أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تكون شديدة الخطورة إذا طُورت أو استُخدمت لأغراض غير قانونية.

ومع ذلك، يرى التحالف أن هذه المخاوف غير مُبررة، إذ يعتقد بإمكانية وضع الضوابط القانونية والأخلاقية لتأمين عمليات تطوير الذكاء الاصطناعي حتى وإن كانت مفتوحة المصدر. وبالتالي، ومع تزايد انضمام المؤسسات إلى هذا التحالف، ستبدأ مرحلةً جديدةً في تاريخ تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، وسيصبح الميدان مفتوحًا أمام جميع المطورين للإبداع والابتكار في هذا المجال.

الشركات المنافسة

هاجم كبير علماء الذكاء الاصطناعي بشركة ميتا، يان ليكون، الجبهة التي كونتها شركتا جوجل وOpenAI، فيما وصفه بـ «لوبي الشركات الكبرى»، إذ تحاول هذه الشركات أن تستغل ريادتها وسبقها في عالم الذكاء الاصطناعي حتى تسن القواعد التي ستخدم مصالحها الخاصة فقط. ونرى أن السبب الحقيقي وراء رفض هذه الشركات المشاركة في تيار الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر هو الخوف على مصالحها الشخصية؛ فهذه الشركات ترغب أن تظل في ريادة هذا المجال وحدها. وبالفعل، أسست جوجل مع OpenAI وحليفتها ميكروسوفت، بالإضافة إلى شركة أنثروبيك للذكاء الاصطناعي، تحالفًا باسم «منتدى النموذج الرائد». ومن المتوقع أن يشكل هذا التحالف جبهةً منافسةً لتحالف الذكاء الاصطناعي، إذ يهدف هذا منتدى إلى التطوير «الآمن» والمغلق للذكاء الاصطناعي.

وقال ليكون على حسابه بمنصة X، أن كثرة الأصوات التي تتغنى بنغمة «نهاية العالم على يد الذكاء الاصطناعي» تساعد هذه الشركات على تبرير مواقفها في حظر سياسة المصدر المفتوح على الذكاء الاصطناعي. وذلك تزامنًا مع تصريحات ديفيد إيفان هاريس، من جامعة كاليفورنيا، الذي هدد أن الاستخدام السيئ لهذه الأنظمة يمكن أن يسبب إعاقةً لحركة الديمقراطية من خلال نشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت، ولم يتوقف هاريس عند هذا الحد، بل وصلت به المبالغة إلى تشبيه الذكاء الاصطناعي بالقنبلة النووية مستشهدًا بفيلم أوبنهايمر (Oppenheimer) الشهير.

يبدو أن الأيام القادمة ستشهد تطورًا كبيرًا في مجال في الذكاء الاصطناعي؛ وكما كان متوقعًا منذ البداية، لن تستمر سياسة الإغلاق والاحتكار في هذا المجال.