دائمًا ما أجد نفسي من الحين للآخر أبحث عن تجربة بسيطة وخفيفة ومريحة للأعصاب حتى أبتعد قليلاً عن الأكشن وضرب النار الذي يملأ معظم الألعاب حاليًا، وشعرت أن Jusant ستكون هي اللعبة التي استمتع بها بعد يوم عمل شاق ومتعب بدون الحاجة لأن أرهق عقلي وتفكيري في تفاصيل و ميكانيكيات اللعبة. وبالفعل، استوديو Don t Nod ينجح مرةً أخرى في صُنع تجربة مميزة تضع نفسها بكل شموخ على الساحة كأحد أفضل الألعاب المُستقلة لعام 2023.

عالم نفذت منه المياه وأصبح شبه خاليًا من الحياة

كلمة "Jusant" هي كلمة فرنسية الأصل تعني انحسار مياه البحر لدرجة تحوله لصحراء قاحلة، وتلك هي الفكرة الرئيسية التي تُركز عليها قصة اللعبة، حيث تقع أحداثها في برج عملاق شبه خالٍ من الحياة، وهدفك الرئيسي هنا هو تسلق البرج والصعود إلى آفاقٍ جديدة لحل اللغز ومعرفة سر وماضي هذا البرج الشاهق.

اللعبة خالية من أي حوارات فعلية ولا يوجد بها تمثيل صوتي، لكنها تحكي القصة عن طريق العالم حيث ستجد أثناء رحلتك في تسلق البرج أكثر من 40 رسالة تواصل فيها ساكني هذا العالم مع بعضهم البعض سابقًا، وبتلك الطريقة تحاول اللعبة إجابتك على معظم الأسئلة التي ستكون في بالك مثل من الذي كان يعيش هنا، وكيف كانت طريقة حياتهم، وما الذي حدث قبل انحسار المياه وتحول العالم لهذا الشكل الصحراوي.

ستجد أيضًا مذكرات شخصية أخرى كانت تتسلق البرج سابقًا، وعبر قصة هذه الشخصية ستفهم المزيد من التفاصيل حول العالم وكيف تُصبح رحلة المتسلقين مليئة بالمتعة والخطورة في نفس الوقت، ورغم عدم وجود أي حوارات، إلا أن قراءة الرسائل والمذكرات مؤثرة في حد ذاتها خاصةً مع وجود العديد من القصص المأساوية.

لعبة Jusant ليست طويلة، حيث تنقسم اللعبة لستة فصول، وقد تمكنت من تختيمها بالكامل مع الحصول على كافة الـ Achievements في 8 ساعات لعب فقط، وأظن أن تلك مدة مثالية على لعبة بسيطة وهادئة مثل Jusant بعدم وجود أي تمطيط أو ملل خلال التجربة. لعل مشكلتي الرئيسي مع القصة هي الفصل السادس الذي لم يختمها بالشكل المثالي، ونفس الأمر ينطبق على أسلوب اللعب أيضًا (وسنتحدث عنه بتفاصيل أكثر لاحقًا في المراجعة).

من كان يعلم أن التسلق سيكون بتلك المتعة؟

نعم لم أكن أتوقع قول أن تسلق برج ضخم سيكون بتلك المتعة، ولكن Jusant نجحت في تقديم فكرة محاكاة للتسلق بواقعية صعبة، وفي نفس الوقت دمجتها بمجموعة من الألغاز المختلفة التي جعلت التجربة النهائية ككل شيقة وممتعة مع استغلال كل بيئة من بيئات البرج لإضافة أفكار جديدة!

لنبدأ أولاً بأساسيات التسلق وهي المحاكاة الواقعية، حيث يجب عليك إتقان أدوات التسلق الخاصة بك ومراقبة مقياس قدرتك على التحمل حتى تنتقل بنجاح في هذا البرج الشاهق. مع تقدمك في أحداث اللعبة وصقل مهاراتك، ستبدأ اللعبة في إضافة المزيد من الميكانيكيات وهنا يتعين عليك معرفة أفضل السبل لاستخدام الأدوات المتاحة لك للوصول إلى المكان الذي تريد الذهاب إليه، خاصةً مع وجود الكثير من المسارات البديلة والجانبية التي ستجد فيها أدلة حول قصة عالم Jusant.

في البداية سيتعلق الأمر بإتقان أساسيات التسلق فقط، ولكن مع وصولك للفصل الثاني يتم تقديم أكثر كائن كيوت في اللعبة وهو الـ Ballast الذي يمكن اعتباره الحيوان الأليف الخاص ببطلتنا. الـ Ballast هو كائن خيالي مصنوع بالكامل من المياه، و سيساعد هذا المخلوق على إرشادك من خلال إيقاظ الطبيعة على طول طريقك عبر حل الألغاز وفتح المزيد من المسارات المختلفة، ويساعد أيضًا في الكشف عن الأدلة التي بدورها تساعدكما على تجميع ماضي البرج معًا والوصول إلى القمة.

أعجبني في Jusant أن اللعبة تُتيح لك حرية تجربتها بالوتيرة المناسبة لك، فإذا كنت تريد التركيز على التسلق والوصول إلى القمة بأسرع شكل ممكن، فيمكنك فعل ذلك، ولكن يمكنك أيضًا الإنغماس في عالم اللعبة واستكشاف كل ركن من أركانه المُخبئة بذكاء، والتي ستدمجك في العالم بتقديم طبيعة خلابة وموسيقى تصويرية هادئة ومميزة.

أسلوب لعب Jusant اقترب من كونه مثالي، ولكن اللعبة لم تنجح في تقديم الميكانيكيات الجديدة بالشكل الذي تمنيته، فرغم أن كل فصل من فصول اللعبة يُقدم ميكانيكية لعب جديدة، إلا أن بعض تلك الميكانيكيات يتم الاستغناء عنها في الفصل الذي يليه وتُستبدل بشيء جديد تمامًا. بالإضافة إلى أن بعض تلك الميكانيكيات لم تضف الكثير على أسلوب اللعب ولم تُساعد بأي شكل على خلق ألغاز أصعب تُزيد من المخاطر أثناء التسلق.

لكن لعل الشيء الذي أزعجني بحق هو الفصل السادس والأخير في اللعبة. كنت أتوقع أن يُصبح هذا الفصل هو المزيج المثالي بين كل ميكانيكيات اللعب، ولكن لا، استوديو Don t Nod قرر جعل هذا الفصل مُجرد محاكاة للسير، وبعد ذلك أضاف لنا في النهاية قسم تسلق صغير لتنتهي اللعبة بهذا الشكل، مما جعلني أشعر أنني تعلمت كل تلك المهارات وطرق حل الألغاز بدون داعٍ طوال الفصول التي سبقته!


طبيعة Jusant الخلابة مُبهرة للعين!

من الوهلة الأولى وستبهرك لعبة Jusant بمدى جمالها البصري، فقد استخدم استوديو Don t Nod محرك Unreal Engine 5 لصُنع عالم اللعبة الخلاب والمليء بالتفاصيل صغيرة كانت أم كبيرة. رغم أن العالم شبه ميت بسبب عدم وجود أي سكان فيه، إلا أن اهتمام الاستوديو بالتفاصيل جعلك تشعر بالفعل أن هذا المكان كان يسكنه العديد من الأشخاص سابقًا وكل شخص ومنزل ومنطقة لهم ذكريات وقصص مختلفة.

بالحديث عن المناطق، فكلما تتسلق البرج أكثر، كلما ستجد نفسك في biome جديد تمامًا له طابع مختلف، فستنتقل من الصحراء القاحلة لمناطق سكنية لمنطقة خضراء مليئة بالمناظر الخلابة، وكل منطقة منهم لها طابعها الرسومي المميز. لا أستطيع وصف الإحساس، ولكنك بالفعل تشعر بالحزن طوال رحلتك لأن اللعبة نقلت بكل مهارة شعور أن ذلك المكان كان مأهولاً بالسكان من قبل وجودك بسنواتٍ طويلة!

هذا الجمال ينطبق أيضًا على الموسيقى التصويرية المريحة للأعصاب حيث أدخلتني في مود استرخاء وأنا العب Jusant، ولكن مع تقدمي في فصول اللعبة وجدتها أن وتيرتها تتسارع والنغمة تزداد قوة وجمالاً، وهنا نقل الاستوديو احساس اقترابك من النهاية، خاصةً مع الفصل الخامس والذي تُصبح فيه كل الأمور على المحك لقربك الشديد من القمة.


ماذا عن الأداء التقني؟

جربت لعبة Jusant على حاسوب متوسط بالمواصفات الآتية:

  • معالج Intel Core i5-10400F
  • 32 جيجا بايت من الرامات بنوعية DDR4 وتردد 3200 MHz
  • بطاقة رسومية Nvidia GeForce RTX 3050 8 GB
  • تخزين على NVMe M.2 SSD

نظرًا لأنها لعبة جيل جديد ومبنية على محرك Unreal Engine 5، فكان من المتوقع أن الأداء من المحتمل ألا يكون الأفضل، ولكن اللعبة فاجأتني بمدى سلاستها، حيث تمكنت من تشغيلها على دقة 1080p بتفعيل تقنية Nvidia DLSS على وضع الجودة بإعدادات مرتفعة، وحصلت في المقابل على إطارات تتراوح بين 50-60 إطار بدون مشاكل معظم الوقت.

بدأت بعض المشاكل البسيطة تظهر مع تقدمي في اللعبة واقترابي من النهاية حيث وجدت الإطراء تتساقط بشكل محلوظ في الكثير من المناطق التي لا يوجد بها أي سبب يدعو لهبوط الإطارات بهذا الشكل، وأظن أن تلك المشكلة سيتم حلها بتحديث اليوم الأول أو ما بعد الإصدار، ولكنها أزعجتني نسبيًا خلال التجربة لأنه في بعض الأحيان كنت مضطرًا لإعادة نقطة الحفظ السابقة حتى تختفي المشاكل، خاصةً مع وجود بعض الأخطاء التقنية والجليتشات الملحوظة.

في النهاية

لعبة Jusant هي واحدة من أمتع الألعاب المُستقلة لعام 2023، وينجح استوديو Don t Nod في تقديم تجربة مختلفة، هادئة، ومريحة للأعصاب، بقصة مميزة وتصميم بصري خلاب جعلني أتمنى ألا تنتهي هذه المغامرة. إنها التجربة التأملية المثالية لكل من يبحث عن الهدوء والراحة بعد يوم عمل طويل، ولعل السبب الرئيسي الذي يجعل تلك اللعبة على راداركم هي أنها متوفرة ضمن اشتراك Xbox Game Pass من يوم الإطلاق!