مع انتهاء القرن العشرين وجدت البشرية نفسها أمام 150 مليون ضحية نتيجة الحروب والنزاعات المسلحة التي دارت خلال القرن العشرين، نعم الحروب والنزاعات المسلحة أخذت أرواح 150 مليون إنسان خلال 100 عام فقط.

غريبة جدًا النفس البشرية، فهي تعشق الحروب والعنف مُنذ العصور الحجرية، ومع كل هذا التقدم الذي نعيش فيه حاليًا أصبح الإنسان يتفنن في ابتكار وصناعة أدوات جديدة للحرب والدمار.

بل يمكن أن نقول أن الحرب هي المحرك الأول للصناعة والابتكار، نعم الإنسان يتفنن في الابتكار والصناعة لخدمة الحروب واكتساب قدرات تدميرية أكبر، وهنا لا نتحدث عن نظرة فلسفية أو وجهة نظر بل نتحدث عن حقيقة مؤكدة من خلال العديد من الإحصائيات والأبحاث العلمية.

إذا نظرنا إلى أبرز الابتكارات الموجودة في الوقت الحالي نجد أنها نشأت في البداية لاستعمالها في أغراض الحرب، لدينا الطاقة النووية التي تستخدم الآن في توليد الطاقات والعديد من الاستخدامات السلمية تم صُنعها في البداية لمحو اليابان وإخراجها من صراع الحرب العالمية الثانية ومن دائرة القتال.

الموجات اللاسلكية وفكرة الاتصال عن بُعد والهواتف المحمولة ظهرت لأول مرة في الحروب وبرزت في معارك الحرب العالمية الأولى، بل يمكن أن نقول الحاسب الآلي نفسه تم استخدامه في البداية بشكل عسكري قبل أن ينتقل استخدامه إلى النواحي المدنية ويصبح داخل منازلنا.

هذه القراءة السريعة توضح مدى الارتباط الوثيق بين التقنية والجانب العسكري من تاريخ الأمم، حيث ترى العديد من الابتكارات النور لاستخدامها في أرض المعركة أو لتعزيز التفوق الاستخباراتي وغيرها من القدرات العسكرية.

طيران إلى الشرق الأوسط

أرضنا الغالية وطننا العربي، أو ما يسميه الغرب منطقة الشرق الأوسط، منطقةٌ عانت لسنوات طويلة جدًا من الحملات الاستعمارية الضخمة مما أضعف قوتها السياسية ووحدتها، وهو ما تسبب في تكوين الكيان الصهيوني بداية من عام 1948 على أرض فلسطين الحبيبة.

بسبب غياب التنظيم السياسي القوي في منطقتنا العربية في هذا الوقت تمكن الكيان المحتل من تأسيس مستوطنات على أرض فلسطين وبعد ذلك توسعت هذه المستوطنات "كيبوتس" وبدأت العمليات العسكرية على الأهل الأصليين لفلسطين حتى احتلوها، ثم جاءت نكبة 1967 لتزيد من الأمور سوءًا ويرسخ الاحتلال أقدامه الصهيونية على أرضنا الغالية فلسطين العربية.

لنعود إلى التقنية من جديد، سنجد أن الكيان الصهيوني مُنذ عام 1948 وهو في معركة تكنولوجية مع الدول العربية ومع أي دولة محيطة، مُنذ هذا التاريخ وجيش الاحتلال يحاول التسلُّح بأحدث الاجهزة والتقنيات.

نشهد هذه الأيام هجمات جيش الاحتلال على قطاع غزة، ونرى جيش الاحتلال وهو يتغنى بالقدرات العسكرية التي يمتلكها، حيث يمتلك أحدث الرادارات ومنظمة الدفاع الجوي الشهيرة بالقبة الحديدية ومقلاع داوود وغيرها من الأسلحة التي تعتمد بشكل كبير جدًا على الحاسب الألي حيث تقوم هذه الأسلحة بعمليات حسابية معقدة خلال أوقات محدودة جدًا.

لكن هل تساءلت عن مصدر هذه التقنية، ما هي الشركات التي توفر هذه التقنيات للمؤسسات العسكرية؟

في الحقيقة يوجد العديد من الشركات المتخصصة في تقديم التقنيات الحديثة للمؤسسات العسكرية وهذه الشركات تعمل بشكل حصري مع الجيوش والجماعات المسلحة ولكن المفاجأة هي أن الشركات المعروفة والتي نستخدم منتجاتها بشكل يومي تقدم هي الأخرى المعلومات والتقنيات الحديثة للجيوش.

لدينا اليوم معلومة صادمة قليلًا تتعلق بشركتي جوجل وأمازون، نعم هذه الشركات التي تستخدم خدماتها بشكل يومي وسلمي تمامًا، هذه الشركات قدمت خلال السنوات الماضية تقنية هامة جدًا لجيش الاحتلال الصهيوني.

طالع أيضاً: هل مازال العقل البشري قادرًا على هزيمة الذكاء الاصطناعي في الحرب؟

ما نتحدث عنه اليوم وهو ما يعرف بإسم مشروع نيمبوس Project Nimbus وهو مشروع تقني عسكري يوفر لـ جنود الكيان قدرات جديدة ونوعية بشكل كبير.

ما هو مشروع نيمبوس Nimbus؟

بدأ تواجد شركة جوجل في إسرائيل عام 2006، حيث افتتحت مكتبًا لها في تل أبيب، ثم افتتحت مكتبًا آخر في حيفا عام 2010. ويعمل في هذين المكتبين أكثر من 1600 إسرائيلي. وتخطط جوجل لبناء منشآت إضافية في فلسطين المحتلة.

وفي زيارة قام بها الرئيس التنفيذي لشركة جوجل إريك شميت إلى إسرائيل عام 2012، صرح أن قرار الاستثمار في إسرائيل كان من أفضل القرارات التي اتخذتها الشركة على الإطلاق. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو إسرائيل بأنها:

بلد العلم والشمس وجوجل.

في البداية يجب أن نعلم تكلفة المشروع والتي تصل إلى 1.2 مليار دولار كاملة وهو مشروع وقعته جوجل وأمازون مع الكيان الصهيوني ويهدف المشروع إلى تزويد قوات الكيان بقدرات تقنية معززة بالذكاء الاصطناعي.

تم توقيع عقد الاتفاق على المشروع في أبريل 2021 وهو مشروع يوفر للكيان المحتل قدرات تقنية متقدمة عن طريق الخدمات السحابية المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الذاتي.

حسب المعلومات التي تم نشرها فإن المشروع يحتوي على سحابة ضخمة جدًا تضم معلومات لا حصر لها هو أهالي فلسطين المحتلة وهذه السحابة قادرة على تحليل أطنان من البيانات التي تقوم بتجميعها من خلال الكاميرات.

بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي فإن السحابة ستكون قادرة على تحليل ملامح الوجه وتعبيراتها وربما معرفة نوايا الأشخاص أو حالتهم المزاجية على الأقل، كما يمكن استخدام السحابة في عمليات الاستخبارات والتجسس.

خلال أحداث انتفاضة طوفان الأقصى رأينا استخدام الكيان تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، لدرجة أن الكيان أعلن عن هوية المتحدث العسكري بإسم كتائب القسام ونشر له صورة كان من الواضح جدًا استخدام الذكاء الاصطناعي في تكوينها.

هل 1.2 مليار دولار تستحق؟

لا توجد مشكلة في سعي كل دولة لتعزيز قدراتها العسكرية ولكن للكيان المحتل ظروفه الخاصة التي يفهمها الكثير وتعيها دول عالمية كبرى، هذا الكيان يمارس جرائم الحرب بشكل مستمر على أهالي فلسطين وبالتالي فمن المنطقي عزله وتحييد قدراته العسكرية لا تقويتها وتحديثها، ولكن بالطبع بما أننا نتحدث عن فلسطين فلا أحد يهتم فهي ليست أوكرانيا أو بولندا لتتحرك دول الغرب من أجلها.

أما على صعيد الشركات، للأسف مبلغ 1.2 مليار دولار يعتبر مبلغ كبير إلى حد ما، خصوصًا وأن هذه الشركات ترى أن المشروع سهل وبسيط ولا يقدم تقنيات قاتلة كما هو الحال مع تقنيات عسكرية أخرى.

نضيف على ذلك أن معظم هذه الشركات لا تنظر إلى الكيان كجماعة مسلحة محتلة، بل ترى أنها دولة ولها حق الدفاع عن النفس فبالتالي الـ 1.2 مليار دولار كانت مغرية جدًا فهي أموال كثيرة مقابل عمل بسيط.

ومن ناحية أخرى، تستفيد جوجل من الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، حيث تشير دراسة نشرتها مجلة موندووايس إلى أن شركة جوجل تستفيد من الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وقد استحوذت جوجل على العديد من الشركات الإسرائيلية الناشئة المتخصصة في تقنيات المراقبة والسيطرة، بما في ذلك ويز وسليكلوجإن وإيلاستايفايل وألووما. كما تستثمر جوجل في شركات إسرائيلية أخرى تستفيد من أدوات الدولة الإسرائيلية للمراقبة والسيطرة.

علاوة على ذلك، تستفيد جوجل من استمرار سرقة الأراضي الفلسطينية. فقد وافقت الشركة مؤخرًا على دمج خدمة الدفع الألكتروني Google Pay في بنك لئومي، وهو بنك إسرائيلي يشتهر بتمويل المستوطنات اليهودية.

المشروع عمومًا يتكون من 4 مراحل فقط، المرحلة الأولى تتمثل في شراء المعدات والمستلزمات الخاصة ببنية السحابة، والمرحلة الثانية تمثلت في الوصول إلى اتفاقية حكومية لبدء العمل على السحابة وتشغيلها، المرحلة الثالثة تتمثل في تشغيل السحابة نفسها، بينما تمثلت المرحلة الرابعة في تحسين العمليات التي تقوم بها السحابة ودعمها بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعليم الذاتي.

لكن الأشخاص يرفضون

إذا كانت الحكومات والشركات تدعم الكيان المحتل إلا أن هذا الكيان يلقى موجة انتقاد كبير جدًا وعارمة على أرض الواقع من الأشخاص العاديين، وبما أننا نتحدث اليوم عن مشروع نيمبوس سنتحدث عن الانتقاد الذي وجه إلى هذا المشروع.

حسب تقرير نشرته جريدة الجارديان مُنذ عامين تقريبًا، فإن هذا المشروع تعرض لهجوم كبير جدًا ليس من قبل المستخدمين بل من الموظفين أنفسهم حيث أوضح التقرير أن 90 موظف من شركة جوجل وأكثر من 300 موظف من أمازون قاموا بتوقيع عريضة يرفضون فيها المشروع وينددون به، كما أعلنوا رفضهم تدخل شركاتهم في المجالات العسكرية، وذلك لأنها بشكلٍ أو بآخر ستتسبب في إلحاق الأذى بمُستخدمي خدمات هذه الشركات وعملائها بمختلف جنسياتهم. ولكن فضل هؤلاء الموظفين الإبقاء على هوياتهم سرية حتى لا يتم تعقبهم أو حتى رفدهم من الوظيفة.

في نفس الوقت أوضح التقرير أن الشركات قد ردت على موظفيها وأكدت أن هذه التقنيات غير معقدة ولا تتعلق بقدرات هجومية أو قتالية بل تتعلق بشكل كامل بالقدرات الاستخباراتية والمعلوماتية.

في الحقيقة لا اعتقد أن التبرير ذا معنى أو فائدة لأن المشروع تم وهذه الشركات لن تضحي بهذه الأموال كلها لأجلنا، نعم نحن مجرد سوق لا أكثر بالنسبة للشركات ويجب من هذه النقطة أن نتعامل بدورنا يجب أن نُدرك أننا مجرد سوق ونبدأ في العمل على التحرر من هذا السوق عن طريق ابتكاراتنا وإمكانياتنا الخاصة بنا.

مصادفة حزينة

في الوقت الحالي يتحدث البعض عن انتفاضة طوفان الأقصى ويرى البعض أن ما قامت به كتائب المقاومة في يوم 7 أكتوبر لم يكن مبرر وهو ما تسبب في كل هذه الخسائر في الأرواح والعتاد.

المصادفة هي أننا نتحدث عن مشروع نيمبوس الذي تم توقيعه في أبريل 2021 كما ذكرنا وبالتزامن مع توقيع الاتفاق على هذا المشروع مع الكيان كان يوجد هجوم على قطاع غزة ووقت التوقيع بالتحديد وصل عدد الشهداء إلى 250 شهيد من بينهم أكثر من 60 طفل.

لا أعتقد أنه في عام 2021 كان يوجد طوفان الأقصى أو 7 أكتوبر، أتعلم يا صديقي ما الذي كان موجود؟، نعم جيش الاحتلال هو من كان موجوداً وقتها وحاليًا.

هذه هي سياستهم وعقيدتهم لا يمكن تغييرها ولا يمكن أن نصدق أمر أخر ولو للحظة، في الوقت الذي يستخدم العالم كله تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي ومفيد للبشرية، يقوم الاحتلال باستخدام هذه التقنيات للتجسس والقبض على الأشخاص ووضعهم في السجون.

في النهاية نتمنى أن نصبح في يومًا من الأيام لاعبًا وليس مجرد متفرج، نتمنى أن نصبح في يوم من الأيام ابتكاراتنا الخاصة ومنتجاتنا حتى لا نكون تحت رحمة هذه الشركات الكبرى التي نحتاج إليها لتسيير الحياة بشكل يومي للأسف، وبالطبع نأمل النصر والنجاة لأهالينا في فلسطين.