منذ أن بدأ ChatGPT 4.0 في الانتشار وإيلون ماسك لا يفوت فرصة إلا هاجم فيها شركة OpenAI علانية ومديرها التنفيذي Sam Altman.

الأمر وصل لقيام إيلون ماسك برفع دعوى قضائية ضد OpenAI بسبب خرق اتفاق التأسيس والتحول لشركة ربحية. الملياردير الأمريكي لم يكتف بهذا الأمر بل وصف الشركة بأنها تحولت إلى إحدى الشركات التابعة لمايكروسوفت ويجب عليها تغير اسمها إلى Closed AI في إشارة لخليها عن مبدأ إبقاء نماذجها مفتوحة المصدر.

فلماذا يكن أغنى رجل في العالم كل هذا العداء للشركة؟ ومن فيهم المخطئ؟ وكيف ردت OpenAI على ادعاءات ماسك؟ أسئلة كثيرة حول أهم صراع حاليًا في مجال الذكاء الاصطناعي نجيب عليها في هذا الموضوع.

قد يهُمُّك أيضًا:

أصدقاء الأمس أعداء اليوم

لم تكن علاقة إيلون ماسك بـ Open AI أو Sam Altman سيئة كما هي الآن، بل أن ماسك كان من أوائل المتبرعين للشركة وأحد أهم أعضاء مجلس إدارتها فيما مضى.

تبدأ القصة في نهاية عام 2015 عندما تم تأسيس الشركة بقيادة Sam Altman و Greg Brockman و 10 آخرين. حينها تم الإعلان عن OpenAI كشركة غير هادفة للربح تعمل في مجال تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي بهدف دفع الصناعة للأمام والوصول للـ AGI أو "الذكاء الاصطناعي العام" وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى مستوى من الذكاء مماثل لذكاء الإنسان أو أعلى منه من حيثُ القدرات والمعرفة.

قمنا بتأسيس منظمة OpenAI غير الربحية في أواخر عام 2015 بهدف بناء ذكاء اصطناعي عام آمن ومفيد لمصلحة البشرية. ربما كان مشروع مثل هذا في السابق مصدرًا لحكومة واحدة أو عدة حكومات، وهو مسعى على نطاق إنساني يسعى لتحقيق فائدة واسعة للبشرية.

نظرًا لعدم وجود مسار واضح في القطاع العام، ونظرًا لنجاح المشاريع الطموحة الأخرى في القطاع الخاص (مثل SpaceX وCruise وغيرهما)، قررنا متابعة هذا المشروع من خلال وسائل خاصة مرتبطة بالتزامات قوية لتحقيق الصالح العام.

حاولت OpenAI جمع مليار دولار على هيئة تبرعات لتأسيس الشركة والعمل على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي. إيلون ماسك كان من أشد المؤيدين والداعمين للشركة ومؤمنًا بما يمكنها تقديمه. ماسك كان من أوائل المتبرعين، بل في الحقيقة من القلائل الذين وعدوا بالتبرع وأوفوا بوعهم حتى وإن لم يتبرع بكامل المبلغ المتفق عليه.

اختلفت الروايات حول المبلغ الذي تبرع به إيلون ماسك. الملياردير الأمريكي قال أنه تبرع بـ 100 مليون دولار فيما تشير بعض التقارير أنه تبرع بـ 75 مليونًا فقط. بالنسبة للحكومة الأمريكية ماسك تبرع بـ 45 مليون دولار فقط ولكن باقي الأموال قد يكون يتم التبرع بها بصورة غير مباشرة.

تضارُبٌ في المصالح

بعد عامين تقريبًا من تأسيس الشركة قرر إيلون ماسك ترك OpenAI بعدما كان يملك مقعدًا في مجلس الإدارة. ماسك أعلن حينها أنه سيترك المنصب بسبب تضارب المصالح لأنه المدير التنفيذي لشركة تسلا التي تعمل أيضًا على نماذج ذكاء اصطناعي من أجل مشروع القيادة الذاتية التي تحلم به الشركة.

تقاريرٌ عِدة تحدثت حينها أن الأمر لم يكن بسبب تضارُب المصالح. ماسك كان يرى أن OpenAI قد أخفقت في الوصول للهدف منها وتحقيق التقدم المرجو، كما أنها أخفقت أيضًا في جذب تبرعات من أجل استمرار سير عملياتها في وقتٍ كانت جوجل قد أحرزت تقدم كبير في مجال الذكاء الاصطناعي. اقترح الملياردير الأمريكي حينها أن يصبح رئيس مجلس إدارة الشركة وأن يضمها إلى تسلا وهو ما قوبل برفض شديد من قبل باقي أعضاء مجلس الإدارة.

شركة OpenAI وأعضاء مجلس إدارتها كشفوا عن اقتراح ماسك بعدما رفع الأخير دعوى قضائية ضد الشركة فيما يبدوا أن التقارير السابقة كانت صحيحة.

بعد هذا الاختلاف الواضح ورفض الجميع لمقترح ماسك قرر إيلون ترك الشركة وتفرغ للتركيز على Tesla التي لم تكن في أفضل حالاتها في هذا الوقت.

التحول للربحية

بعد ترك إيلون ماسك لمقعده في مجلس الإدارة وإيقاف تبرعاته برغم ادعائه أن تركه للشركة لن يوقف تبرعه لها، وجد أعضاء مجلس الإدارة أنفسهم في موقف سيء. الشركة بحاجة لتمويل ضخم من أجل تسيير الأعمال وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي في وقت لم كان كل ما جمعته خلال 4 سنوات تقريبًا لم يحصل حتى إلى 150 مليون دولار.

الحل الذي رأه أعضاء مجلس الإدارة هو تحول OpenAI لشركة من أجل الربح. ولعدم الإخلال بكونها غير هادفه للربح تم تأسيس شركة فرعية هدفها تحقيق الأموال من أجل إنفاقها على عملية التطوير.

من أكبر المساهمين في هذه الشركة كانت مايكروسوفت التي باتت تحتضن الشركة وتبنى عشرات المنتجات مستندة إلى نماذج GPT واحد تلو الآخر. بدأ كُل هذا عندما مولّت مايكروسوفت OpenAI بمليار دولار في 2019.

رد OpenAI على إيلون ماسك:

لقد اتفقنا على التحول لنموذج المصدر المغلق.

بعد رفع إيلون ماسك لقضية على OpenAI بدعوى خرق اتفاق التأسيس والتحول إلى شركة ربحية وعدم نشر نماذج الشركة بصورة مفتوحة المصدر، قررت OpenAI الرد على إيلون ماسك ناشرة مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني بينهم.

رسائل البريد الإلكتروني بين إيلون ماسك و OpenAI التي نشرتها الأخيرة - المصدر: OpenAI

احتوت الرسائل المنشورة على بريد إلكتروني من Ilya Sutskever أحد المؤسسين إلى إيلون ماسك، سام ألتمان و جريك بروكمان. نص هذا البريد أن الشركة قد تتجه نحو الاستغناء عن كون برمجياتها مفتوحة المصدر كلما اقتربت من الوصول للذكاء الاصطناعي العام (AGI). نص البريد الإلكتروني كذلك أن كلمة Open في OpenAI تشير إلى أن الشركة مُنفتحة لاستفادة الجميع من الذكاء الاصطناعي عند الانتهاء من تطويره ولا تعني أن الشركة ملزمة بمشاركة أبحاثها وعلمها بصورة مفتوحة المصدر.

المفاجأة أن رد إيلون ماسك كان بالموافقة على هذا البريد الإلكتروني!

أما فيما يخص التحول للبرمجية المُغلقة، فبيان الشركة ذكر أن فكرة البقاء كشركة غير هادفه للبرح كان مجرد اتفاق فشل تطبيقه؛ ذلك لأن إيلون ماسك كان يُريد السيطرة على الشركة عبر استحواذه على منصب المدير التنفيذي وضمها إلى شركة تسلا التي يمتلكها بالفعل.

من المخطئ ومن المحق؟

قد يكون من الصعب الوقوف على إجابة هذا السؤال خاصة وأننا لم نر اتفاق التأسيس الذي ذكره إيلون ماسك. شركة OpenAI لم ترُد كذلك على هذا الجزء فيما يبدوا أنه ثمة حلقة مفقودة في هذا الخلاف. قد يكون ماسك مُحقًا بشأن تحول الشركة للربحية، وقد تكون OpenAI محقة بشأن إبقاء نماذجها مغلقة المصدر.

السؤال الأهم في رأيي هو سبب هذا الصدام الذي يُرجّح أنه بسبب اقتراب OpenAI من الوصول للذكاء الاصطناعي العام AGI. الوصول لهذا المستوى من الذكاء بالنسبة للآلة قد يسبب صدمة كبرى. فآلة قادرة على تحقيق نفس مستوى ذكاء الإنسان ستستبدله لا محالة!

أيامٌ قليلة وسيتم النظر في هذه القضية أمام القضاء الأمريكي، نتائجها قد لا تكون فارقة بقدر أن ما يحدث خلف الكواليس قد يظهر لنا ما نحن في انتظاره خلال السنوات القليلة المقبلة.